في إحدى قرى الريف الفلسطيني المحاصرة بالاستيطان، عاشت امرأة تُعرف بين الناس بلقبٍ بسيط لكنه يحمل في طيّاته حكاية كفاح: "أم العسل".
ترملت وهي في ريعان شبابها، ووجدت نفسها أماً لثمانية أطفال، منهم من لم يكن قد تجاوز عتبة المدرسة. لم تدم الأحزان طويلاً؛ فخلف ماكينة الخياطة، نسجت أول خيوط الصمود. ثم توسعت في تربية المواشي وزراعة الأرض، فصار بيتها عامراً ببهجة الأبناء وعرق الكفاح.
لكن الاحتلال لا يترك للفرح طريقًا. مع توسّع المستوطنات، وسحق الأراضي الزراعية، وسدّ الطرق نحو المراعي، تلاشت القدرة على الاستمرار. ضاقت الحياة، ولم تعد الأبقار تُطعم أبناءها.
قررت أن تعيد الحلم بصيغة جديدة، حلم يحمل رحيق الأرض: النحل. وبدعم من جمعية زراعية، أسست مشروعها في تربية النحل. عملت بصبر النحلة ذاتها، من تنظيف الأرض إلى رعاية الخلايا، حتى أصبحت تُلقّب في القرية وما حولها بـ"أم العسل"، لجودة إنتاجها وتميزها في هذا المجال.
لكن النحل لم يسلم. في إحدى الهجمات التي يشنّها المستوطنون، سُقيت الخلايا مادة سامة، ورقد النحل صامتًا للأبد.
كانت تلك اللحظة كأنها فَقْد آخر، يشبه فقد الزوج. بكت بكاء الفجيعة. صرخة أرملة، وأم، ومنتجة، تُجَرّد من مشروع حياتها الذي طالما حافظ على كرامتها وكرامة أبنائها وأحفادها.
رفعت صوتها، وقدّمت شكوى، وتم توثيق الجريمة. حصلت على تعويض رمزي بعشر خلايا فقط، لكنها أُجبرت على نقلها لمنطقة غير مناسبة، فانهار الإنتاج، وبات المشروع بالكاد يغطي نفقاته.
رغم ذلك، لم تستسلم. عادت الحياة تدريجياً حين أفرج الاحتلال عن أبنائها، وبعد أن دفعوا ثمناً باهظاً لحريتهم. وقفوا إلى جانبها، وعاد صوت النحل يهمس في أذنيها من جديد.
لكن الحصار لا يزال مستمرًا، والطريق إلى الأرض مقطوع، ومشاريع النساء الريفيات تُخنق بسياسات الاحتلال.
تقول:
"لم أُرد سوى لقمة شريفة، وبيئة أزرع فيها فرحي وأطعم بها أحفادي... لكن حتى النحل، لم يتركوه لنا"