مخيم جنين للاجئين
في أعقاب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا في تاريخها في العام السابق، شهد عام 2023 تصعيدًا كبيرًا في وتيرة العنف، مما أسفر عن واحد من أعلى معدلات الضحايا الفلسطينيين المُسجَّلة. خلال هذه الفترة من عام 2023، قُتل 208 فلسطينيين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، من بينهم 38 طفلًا و6 نساء.
وقد تركز عدد كبير من الضحايا في مخيم جنين للاجئين، وهو مخيم شديد الاكتظاظ لا تتجاوز مساحته 0.42 كيلومتر مربع. وفي مؤشر خطير، شهد هذا العام وحده استشهاد 33 مدنيًا فلسطينيًا داخل هذه المساحة الضيقة.
أصوات نساء من مخيم جنين
خلال العملية العسكرية الأخيرة التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في تموز/يوليو داخل مخيم جنين، قُتل 12 شخصًا، من بينهم خمسة أطفال. كما تم تهجير حوالي 4,000 شخص من منازلهم نتيجة الغارات الجوية المدمرة، ما تركهم دون مأوى. وقد أُجبرت العائلات على إخلاء منازلها ومغادرة المخيم بعد أن نادت مكبرات الصوت بذلك، وهي تجربة مريرة عاشها بعضهم ثلاث مرات في حياتهم.
وثّق مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي (WCLAC) مستوى غير مسبوق من العنف ضد النساء خلال اقتحامات قوات الاحتلال. وتشير الشهادات إلى أن نساء مسنات تجاوزن التسعين من العمر وأطفالًا حديثي الولادة لا يتجاوز عمرهم 10 أيام، تعرضوا لهجمات من كلاب مدربة تابعة لقوات الاحتلال، ما تسبب بإصابات استدعت الدخول إلى المستشفى.
في خضم عمليات الإخلاء القسري، تحملت النساء مسؤوليات رعاية الأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة، وسط ظروف صعبة تم فيها اعتقال الرجال من قبل قوات الاحتلال. في هذا السياق، برزت النساء كمقدمات للرعاية والدعم والتوجيه لأفراد المجتمع الأكثر ضعفًا، مما يعكس صمودهنّ وتصميمهنّ في مواجهة المحن.
أ. (61 عامًا)
أفادت "أ."، وهي مريضة بالسرطان وتعيش مع زوجها الكفيف، أن باب منزلهم تم تفجيره بعبوة ناسفة من قبل قوات الاحتلال في الساعة الثامنة صباحًا يوم الاقتحام، مما أدى إلى اقتحام أكثر من 50 جنديًا للمنزل. تم احتجازها هي وزوجها تحت تهديد السلاح داخل غرفة واحدة. خلال ساعات الاحتجاز، حُرموا من الطعام رغم احتياج زوجها الكبير والإعاقة التي يعاني منها، وكذلك احتياجاتها كمرضى السرطان، كما تم حرمانهم من الأدوية الضرورية.
حول الجنود منزل "أ." إلى مركز للتحقيق، حيث تم استخدام الغرفة المجاورة لاستجواب رجال من المخيم، واستمرت عملية التحقيق المؤلمة هذه لمدة ثماني ساعات. وبعد مغادرة الجنود، طُلب من سكان المخيم إخلاء المنطقة. حينها، أمسكت "أ." بيد زوجها وقادته وسط الركام خارج المنزل، مرهقة وخائفة وجائعة.
ر. (31 عامًا)
في 3 تموز/يوليو 2023، قرابة الساعة 9:00 صباحًا، فوجئت "ر." وأطفالها الثلاثة باقتحام حوالي 20 جنديًا إسرائيليًا منزلهم بعد تفجير باب المدخل باستخدام عبوة ناسفة.
كان برفقتهم كلب عليه كمامة. قام أحد الجنود بإطلاق الكلب الذي توجه مباشرة نحو ابنتها "ن."، ذات العشرة أيام، وهي نائمة في مهدها. هاجم الكلب الرضيعة بشكل عنيف، مما تسبب لها بإصابات خطيرة. صرخت "ر." مطالبة الجنود بكبح الكلب، وحاولت حماية ابنتها، لكنها تعرضت هي الأخرى لهجوم شرس من الكلب.
لاحقًا، تم اعتقال زوجها خارج المنزل، بينما تُركت "ر." مع أطفالها محتجزة داخل غرفة النوم. أُبعد الكلب في وقت لاحق، بينما استمرت الرضيعة في البكاء من شدة الألم، مما زاد من حالة الذعر لدى باقي الأطفال.
خلال ذلك الوقت، قام الجنود بتدمير المنزل بالكامل، ولم يتركوا شيئًا قابلًا للاستخدام. بقيت "ر." وأطفالها محاصرين داخل المنزل سبع ساعات وسط أصوات القصف والانفجارات، دون طعام أو ماء. بكى الأطفال من الخوف والجوع. انسحبت القوات بعد سبع ساعات، وسارعت "ر." وزوجها إلى نقل الأطفال إلى المستشفى لتلقي العلاج. لم يتمكنوا من العودة إلى منزلهم لمدة ثلاثة أيام بسبب استمرار الحصار ومنع السكان من الدخول إلى المخيم.
خ. (90 عامًا)
تعيش "خ." وحدها في شقة من غرفة واحدة داخل مخيم جنين. في يوم الاقتحام، استيقظت على صوت تفجير باب منزلها الأمامي. اقتحم الجنود المنزل بصحبة كلب كمّم فمه، وقام أحدهم بإطلاقه مباشرة نحوها. تقول "خ." إن الكلب هاجمها وهي مستلقية على الأرض تبكي وتصرخ، طالبًة منهم إيقافه، لكن الهجوم استمر لمدة خمس دقائق، مما تسبب بكدمات شديدة في جسدها.
دخل الجنود بعد ذلك إلى المنزل، وكان عددهم حوالي 15 جنديًا مسلحًا. كانت "خ." عاجزة عن الحركة أو الدفاع عن نفسها، وكانت الكدمات واضحة على ظهرها وصدرها. أخبرتهم أن المنزل خالٍ، لكنهم تجاهلوا ذلك واستمروا في تفتيش المنزل وتدميره لثلاث ساعات قبل أن يغادروا.
بعد رحيلهم، بقيت "خ." وحيدة لمدة ساعة إلى أن وصل ابن شقيقها بعد أن علم بالاعتداء. نقلها إلى المستشفى بعد ملاحظته الكدمات على يديها وصدرها، وهناك تبيّن أنها تعرضت لجلطة في يدها اليمنى نتيجة الهجوم. بقيت تحت الرعاية الطبية لمدة أسبوع.
حتى اليوم، لا تزال "خ." تعاني من آثار إصاباتها، ولم تتمكن من العودة إلى منزلها، وتعيش الآن مع ابن شقيقها.