بيان صحفي صادر عن مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي بمناسبة اليوم الدولي للمرأة في السلم ووقف التسلح – 24 أيار/مايو 2025

  • الرئيسية
  • الأخبار
28 مايو 2025

بيان صحفي صادر عن مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي بمناسبة اليوم الدولي للمرأة في السلم ووقف التسلح – 24 أيار/مايو 2025

المرأة الفلسطينية: صوت السلام في زمن الإبادة

رام الله في الوقت الذي يُحيي فيه العالم "اليوم الدولي للمرأة في السلم ووقف التسلح"، يطلق مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي نداءً عاجلاً إلى العالم لوقف العدوان الإسرائيلي وجرائم الإبادة على شعبنا في قطاع غزة، واتخاذ إجراءات فورية لإيصال المساعدات الإنسانية بكرامة، ووقف تزويد إسرائيل بالأسلحة. كما نطالب بإعادة الاعتبار للمرأة الفلسطينية كفاعل مركزي في جهود بناء السلام، والمصالحة، وإعادة الإعمار والتعافي.

وبينما تعصف آلة الحرب الإسرائيلية بقطاع غزة منذ ما يقارب العامين، تعاني النساء والفتيات من كوارث مركبة تتجاوز الاستهداف المباشر، وتفتك بالبنية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للأسر والمجتمع الفلسطيني بأكمله، مما يزيد من الأعباء الملقاة على النساء الفلسطينيات.

منذ بداية العدوان في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، سجّل العالم واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية دموية في التاريخ المعاصر. ووفقًا لتقارير وزارة الصحة الفلسطينية، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ، فإن أكثر من 12,400 امرأة فلسطينية قُتلن في قطاع غزة حتى أيار/مايو 2024، وما يقارب 4,700 من النساء والأطفال لا يزالون في عداد المفقودين حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، من بينهن حوالي 6,000 أم، ما أدى إلى ترك أكثر من 19,000 طفل يتيم.

تعكس هذه الأرقام المروعة الأثر غير المتناسب للعدوان على النساء الفلسطينيات، وخاصة الأمهات، اللواتي يتم استهدافهن في منازلهن وملاجئهن، ويُتركن يواجهن مصيرهن دون حماية. وقد تعرّضت المنازل والمراكز الصحية والمدارس والملاجئ إلى دمار شامل، وتم استهداف العائلات بشكل جماعي، حيث مُحيت أكثر من 400 عائلة بالكامل من السجلات المدنية.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن النساء والأطفال يُشكّلون ما يقارب 70% من إجمالي الضحايا المدنيين، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي ومبادئ حقوق الإنسان. كما يُرجّح أن العدد الحقيقي للضحايا من النساء أعلى من المُعلن، بسبب وجود مئات الجثامين تحت الأنقاض التي لم تُنتشل بعد، بحسب منظمات دولية مستقلة، ولا تزال الأرقام في تزايد مع استمرار العدوان.

النساء الفلسطينيات لا يُقتلن فقط، بل يتحملن عبء رعاية الأسر في غياب الشركاء، وإدارة الأزمات في ظروف لا إنسانية، وتحمّل صدمات الفقد، والنزوح، والانفصال القسري. وتشير تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن أكثر من 800,000 امرأة وفتاة بحاجة ماسة إلى خدمات الصحة الإنجابية والدعم النفسي والاجتماعي، في ظل تدمير 94% من المستشفيات التي كانت تقدم هذه الخدمات.

المرأة الفلسطينية: الحامي الصامت للنسيج المجتمعي

رغم كل هذا الدمار، تلعب النساء الفلسطينيات دورًا غير مرئي لكنه جوهري في حماية النسيج المجتمعي من الانهيار. إنهنّ يدعمن الناجين، يُنظّمن شبكات الدعم، يُطلقن مبادرات الإغاثة والتضامن، يوثّقن الانتهاكات، ويحافظن على الهوية الوطنية والثقافية في وجه محاولات الطمس والاقتلاع.

تاريخيًا، كانت النساء الفلسطينيات في طليعة النضال السلمي والمجتمعي، حيث أنشأن خلال الانتفاضات لجان الإسعاف والتعليم المجتمعي، وحافظن على تماسك المجتمع في أحلك الظروف. وتشكّل هذه التجارب مرجعية أساسية لبناء مستقبل أكثر عدلاً واستقراراً.

ورغم هذا الدور الحاسم، لا ينعكس ذلك في مستويات التمثيل السياسي أو في مفاوضات السلام، إذ تُظهر الأرقام الرسمية أن النساء الفلسطينيات يُشكّلن أقل من 12% من مواقع صنع القرار الحكومية، وأقل من 1% من رؤساء البلديات والمجالس المحلية، رغم أنهن يشكّلن أكثر من نصف المجتمع. كما تم تهميش أصواتهن في المفاوضات والجهود الإقليمية والدولية لحل النزاع.

السلام لا يُبنى بدون النساء: دعوة للتمكين والمشاركة العادلة

تؤكد الأدلة الدولية، بما في ذلك تقارير الأمين العام لمجلس الأمن، والتقارير الطوعية الدولية المقدمة بموجب القرار 1325، أن مشاركة النساء في عمليات بناء السلام تُفضي إلى اتفاقات أكثر استدامة وعدلاً. ورغم ذلك، لم تُتح للمرأة الفلسطينية فرصة حقيقية للمشاركة في طاولة المفاوضات، لا في اتفاقيات أوسلو، ولا في المبادرات اللاحقة.

إن تغييب النساء عن مواقع صنع القرار يعكس غياب العدالة البنيوية، وينتج حلولًا لا تراعي الأبعاد الاجتماعية والنفسية والثقافية للصراع، ولا تأخذ باحتياجات النساء وأولوياتهن.

وفي السياق الفلسطيني، يتقاطع هذا التهميش مع واقع الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، حيث تستخدم إسرائيل سياسة "التفتيت" لإضعاف الحركة النسوية الفلسطينية عبر الحصار، والمنع من السفر، والانقسام السياسي، والتجريم، مما يحرم النساء في غزة والضفة الغربية والقدس والشتات من التواصل وبناء أجندة موحدة لإنهاء الاحتلال وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير.

كما تواجه النساء في الضفة الغربية تحديات جسيمة في ظل الاجتياحات اليومية، والاعتقالات، وتقييد الحركة عبر الحواجز العسكرية. وقد وثّقت مؤسسات حقوق الإنسان أكثر من 4,500 حالة اعتقال منذ بداية عام 2024، تشمل أطفالًا ونساء، وبينهم أمهات ونساء حوامل، في انتهاك صارخ لكل الأعراف الإنسانية.

الأسلحة المحظورة ونزع السلاح: موقف نسوي من أجل الحياة

أكدت تقارير منظمات منظمة مراقبة حقوق الإنسان أن إسرائيل استخدمت قنابل فوسفورية محرّمة دولياً في مناطق مأهولة، إلى جانب قنابل ارتجاجية وتفجيرية واسعة النطاق، ما أدى إلى قتل المدنيين بشكل جماعي، خصوصاً من النساء والأطفال.

إن استمرار عسكرة الحياة وتوظيف الأسلحة المحظورة يدمر فرص السلام، ويكرّس مناخًا من الخوف والاستنزاف النفسي والجسدي للمجتمع الفلسطيني. في المقابل، ترفع النساء الفلسطينيات – وعلى رأسهن ناشطات السلام – صوتًا واضحًا ضد عسكرة الحياة، وتطالبن بنزع السلاح وتجريم استهداف المدنيين. فالنزع الفعلي للسلاح هو شرط للسلام، وضرورة لحماية الحياة والكرامة الإنسانية.

رسالة مركز المرأة في هذا اليوم: من أجل وقف الحرب، ونزع السلاح، ومشاركة النساء في مستقبل فلسطين

في هذا اليوم، يجدد مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي دعوته إلى الوقف الفوري للعدوان العسكري وجرائم الإبادة على قطاع غزة، ورفع الحصار الكامل عنه، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، مع التأكيد على ضرورة إشراك النساء في مختلف مستويات صنع القرار، بدءًا من جهود الإغاثة وإعادة الإعمار، وصولًا إلى مفاوضات الحل السياسي. كما يشدد المركز على أهمية تعزيز برامج الدعم النفسي والاجتماعي للنساء والفتيات الناجيات من العنف والحرب، وضمان الحماية القانونية والاجتماعية لهن، إلى جانب العمل الجاد على نزع السلاح ومحاسبة الجناة على جرائم الحرب المرتكبة، لا سيما فيما يتعلق بالاستهداف الممنهج للنساء والأطفال. ويدعو المركز إلى دعم المنظمات النسوية الفلسطينية كجهات فاعلة في بناء السلام، والاعتراف بدورهن الحيوي في إعادة التماسك المجتمعي وبناء مستقبل فلسطيني عادل وآمن.

خاتمة: لن تُبنى فلسطين إلا بسلام يُنصف النساء

إن الأمل في مستقبل عادل، والدعوة إلى سلام شامل يُعيد للفلسطينيين والفلسطينيات كرامتهم وحقوقهم، لا يمكن أن يتحققا دون تمكين النساء، والاستماع إلى أصواتهن، وإشراكهن في القرار. نحن اليوم لا نُطالب فقط بحقوق النساء، بل نُطالب بحق الجماعات المتضررة في صياغة مستقبلها، وإنهاء الاحتلال، وتحقيق العدالة التي تُعيد بناء ما دمّرته الحرب. إن فلسطين التي نطمح إليها لن تُبنى على أنقاض النساء، بل بسواعدهن، وبمشاركتهن الكاملة في صياغة السلام العادل والمستدام. فـلا سلام بلا عدالة، ولا عدالة دون مشاركة النساء.