نابلس، 4 ديسمبر 2024: في خطوة هامة لمناقشة قضايا تزويج الطفلات في المجتمع الفلسطيني، عقد مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي بالتنسيق مع جمعية مدرسة الأمهات في محافظة نابلس ورشة عمل لعرض ومناقشة دراسة المركز حول هذه الظاهرة. الورشة التي عقدت في مقر الجمعية بمدينة نابلس شهدت مشاركة (38) من أعضاء لجان الحماية في جمعية مدرسة الأمهات من محافظات شمال الضفة الغربية.
افتتح الورشة مسؤول البحث والمناصرة في مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، حيث رحب بالحضور من لجان حماية النساء في الجمعية، معبراً عن شكره لهم على حضورهم والمشاركة في هذا النقاش الهام. كما وجه الشكر لجمعية مدرسة الأمهات على التعاون المستمر والشراكة الفعّالة في تنظيم ورشة العمل.
أسباب ودوافع الدراسة
أشار دويكات إلى أن هذه الدراسة نشأت من الحاجة المجتمعية الماسة لتسليط الضوء على قضية تزويج الطفلات في فلسطين. وأوضح أن المركز استقبل على مدار السنوات الماضية مئات النساء والفتيات اللواتي تعرضن للعنف وانتهاك الحقوق، وكان من بينهن عدد كبير من اللواتي مررن بتجربة "التزويج المبكر". هذه الظاهرة لم تقتصر على التأثير على حياة الفتيات فحسب، بل كان لها آثار سلبية على جوانب حياتهن الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية، وامتدت إلى تأثيرات على الأطفال، العائلات، والمجتمع ككل.
دويكات أضاف أن الدراسة تناولت الواقع القانوني في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يطبق في الضفة الغربية قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (61) لعام 1976، بينما في قطاع غزة يطبق قانون حقوق العائلة المصري رقم (303) لعام 1954، مما يحدّد سن الزواج دون سن الـ 18 عامًا. في حين أن حركة حقوق المرأة طالبت منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بتعديل هذه القوانين لرفع سن الزواج إلى 18 عامًا. وقد نجحت هذه المطالب في الضفة الغربية، حيث صدر في 3 نوفمبر 2019 قرار بقانون (21) لعام 2019 الذي رفع سن الزواج إلى 18 عامًا لكلا الطرفين، في حين لم يتم تطبيق هذا التعديل في قطاع غزة بسبب الانقسام السياسي.
دور الثقافة التقليدية في تعزيز الظاهرة
أحد المحاور الهامة التي تناولتها الورشة كان دور الثقافة التقليدية في دعم ظاهرة تزويج الطفلات. وأكد المشاركون على ضرورة تغيير هذه الثقافة التي تشجع على هذا النوع من الزواج باعتباره جزءًا من التقاليد والعادات المجتمعية، على الرغم من الآثار السلبية التي تترتب على هذه الممارسات.
منهجية الدراسة وأدواتها
أكد دويكات أن منهجية الدراسة اعتمدت على المنهج النسوي التحليلي، الذي يهدف إلى تمكين النساء من التعبير عن تجاربهن وتحدياتهن في مواجهة ظاهرة التزويج المبكر. وقد تم جمع البيانات من خلال 21 مقابلة معمقة مع محاميين ومحاميات، ناشطات حقوقيات، أخصائيات اجتماعيات، ومؤسسات حقوقية تعمل في دعم النساء والفتيات المتعرضات للعنف. كما تم إجراء اجتماعات مع أهالي وأزواج فتيات تعرضن للتزويج المبكر.
توصيات الدراسة
خلصت الدراسة إلى عدد من التوصيات التي تهدف إلى مواجهة ظاهرة تزويج الطفلات وتحقيق تغيير إيجابي في المجتمع الفلسطيني. أولى هذه التوصيات هي ضرورة تعزيز حملات تغيير الثقافة المجتمعية التي تشجع على تزويج الطفلات، بهدف تعزيز التوعية حول الآثار السلبية لهذه الظاهرة على الفتيات وأسرهن. كما أوصت الدراسة بتبني برامج توعية شاملة في المؤسسات المجتمعية، وعلى وجه الخصوص في القضاء الشرعي، لتثقيف الفئات الشابة حول مفهوم الزواج وشروطه ومتطلباته.
وفي هذا السياق، شددت الدراسة على أهمية تشجيع القضاء الشرعي على الشفافية والصرامة في توفير بيانات دقيقة حول قضايا الزواج والطلاق، مما يسهم في تحسين اتخاذ القرارات القضائية المتعلقة بالزواج. كما أوصت الدراسة بالاطلاع على تجارب بعض الدول العربية والإسلامية التي حققت تقدمًا في هذا المجال، للاستفادة من هذه التجارب وتطبيق ما يتناسب مع السياق الفلسطيني.
خاتمة الورشة
في نهاية الورشة، دار نقاش موسع حول أهمية مواصلة الجهود لتغيير الثقافة المجتمعية التي تدعم التزويج المبكر. أكد المشاركون على ضرورة استمرارية العمل في هذا المجال للتأثير في الاتجاهات المجتمعية التقليدية التي تشجع هذه الظاهرة، مشددين على أهمية تكامل الجهود بين المؤسسات الحكومية، الحقوقية، والمجتمعية لتحقيق التغيير المنشود.