رسالة المديرة العامة لعام 2020

لقد كان عام 2020 عامًا استثنائيًا في تهديداته والتحديات المركّبة التي فرضها، والتي واجهها مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي كما بقية المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

24 مارس 2022

لقد كان عام 2020 عامًا استثنائيًا في تهديداته والتحديات المركّبة التي فرضها، والتي واجهها مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي  كما بقية المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد اجتمع تفشّي وباء كوفيد-19 على مستوى العالم مع انتهاكات دولة الاحتلال الممنهجة ضد مبدأ حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، خاصةً تلك التي تؤثر على النساء، إضافة إلى البُنى والممارسات الأبوية/ السلطوية التي تحكم الحياة اليومية للنساء والفتيات الفلسطينيات، ما أدى إلى تفاقم معاناتهن وازدياد الطلب على خدمات مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي وتدخلاته لمحاربة العنف المتزايد المبني على النوع الاجتماعي وحماية الضحايا.

وقد استمرت انتهاكات دولة الاحتلال ضد الحقوق الفلسطينية بالوتيرة نفسها، وحتى إنها في بعض الأحيان تكثفت خلال الإغلاقات وفترات تزايد تفشي وباء كوفيد-19. كما واصلت دولة الاحتلال سياساتها في العقاب الجماعي من خلال هدم المنازل، في الوقت الذي كانت فيه المنازل هي الملاذ الوحيد الآمن المتبقي خلال فترات الإغلاق. وتابعت القوات العسكرية لدولة الاحتلال انتهاكاتها بلا هوادة أو تهاون، من مداهمات ليلية واعتقالات خاصةً للأطفال، وفرض القيود على الحركة والتنقل، والتوسع في الاستيطان، وهدم المنازل، واستمرار الحصار على غزة، والكثير من الانتهاكات الأخرى التي لا تُعد ولا تُحصـى ضد حقوق الإنسان. بالإضافة إلى كل ذلك، استمرت كالمعتاد سياسات دولة الاحتلال التمييزية ضد السكان الفلسطينيين المدنيين، خاصةً ضد النساء الفلسطينيات المتزوجات من مقدسيين، وأثرت بشكل أعمق عليهن بفعل القيود على الحركة ونظام التصاريح. وقد منع هذا الأمر، النساء اللاتي تجاوزت تصاريحهن المدة المسموح بها، من مغادرة منازلهن أو تلقي العلاج الطبي خلال فترة تفشّي كوفيد-19. من ناحية أخرى، أدى إنكار دولة الاحتلال لالتزاماتها تحت إطار القوانين الدولية إلى ممارسة المزيد من الإجراءات التمييزية ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة في مجالات فحص انتشار الفيروس وتلقي العلاجات اللازمة، وكذلك توفير اللقاح للتطعيم في المراحل اللاحقة. كما حرمت القيود التي فرضتها دولة الاحتلال على الحركة ونظام التصاريح، النساء من التنقل وزيارة أسرهن بسبب تجاوزهن مدة الإقامة المسموحة في تصاريحهن من جهة، ومن إمكانية الوصول إلى العلاجات الطبية اللازمة من جهة أخرى. وأُجبرت النساء اللاتي يعايشن هذه الظروف أيضًا على تجاوز المُدَد المسموح بها في تصاريحهن، وتعرضن للعنف المنزلي والأشكال الأخرى من العنف المبني على النوع الاجتماعي بسبب القيود على الحركة التي فرضتها قوات الاحتلال.

إلا أنه وبالرغم من هذه التحديات المركّبة، حقق مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي خلال العام الماضي الكثير من الإنجازات، ومن ضمنها تطوير استراتيجياته في الاستجابة والتدخل لتلبية احتياجات النساء الفلسطينيات ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي. ومع التفشي الواسع لوباء كوفيد-19 والإغلاقات التي فُرضت على الأراضي التي تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، قام المركز بتطوير سُبُل غير تقليدية لتدخلاته، وكيّف برامجه لضمان استمراره في تقديم الخدمات لضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي، والاستشارات الضرورية والإرشاد الاجتماعي والقانوني، بالإضافة إلى خدمات الحماية. 

كما قدّم المركز تدخلات من شأنها أن تضمن استمرار عمل أنظمة الحماية الرسمية وتقديم الخدمات المتعلقة ببيوت الأمان والحماية للضحايا المحتمل تعرضهن للعنف المبني على النوع الاجتماعي. ومع حالات التعطيل القليلة جدًا التي أُجبرنا على المرور بها، استمرت عمليات التقاضي في المحاكم وكذلك آليات الدعم القانوني والاجتماعي للضحايا. كما تم توفير خدمات المركز المجانية عبر خطوط المساعدة على مدار الساعة خلال فترات الإغلاق، بالإضافة إلى تفعيل طاقم المركز لشبكات ولجان الحماية في المجتمعات المحلية لضمان الاستجابة الفورية والفعالة للاحتياجات الطارئة للنساء ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي. كما انضم طاقم مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي إلى لجان الاستجابة للطوارئ في المواقع المختلفة لضمان تقديم الاستجابة الإنسانية لضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي.

لقد استطعنا خلال عام 2020 أن نثبت أن مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي على أهبة الاستعداد للتعامل مع التحديات الجديدة والتدخل الإيجابي باستراتيجيات ومنهجيات مبتكرة لتلبية احتياجات وأولويات النساء ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي. فقد كنا قادرات  على الانضمام للائتلافات والشبكات المؤثرة في السياسات والتشـريعات والحملة ضد ازدياد المعدلات المسجلة للعنف المبني على النوع الاجتماعي وحالات قتل النساء. وبسبب إجراءات الإغلاق و"حبس" النساء مع المعتدين عليهن وتدخل الرجال بالحيز الخاص الذي تتواجد غالبًا فيه النساء والفتيات، فقد تبين الاحتياج الكبير للتدخلات التي يقوم بها المركز أكثر من أيّ وقتٍ مضى.

لقد فقدت العديد من النساء وظائفهن ومصادر دخلهن، التي عادةً ما تكون ضمن القطاع الاقتصادي غير الرسمي، وبالتالي ازدادت معاناة النساء خاصةً أولئك اللواتي يقمن بإعالة أسرهن. كما نتج عن ارتفاع معدلات البطالة تعمق الأزمة الاقتصادية للأسر الفلسطينية والمزيد من الأعباء على النساء لإدارة شؤون عائلاتهن وتلبية احتياجاتها ضمن الموارد المحدودة المتوفرة. وازدادت أيضًا أعباء مسؤوليات المنزل على النساء مع اللجوء إلى التعليم الإلكتروني، في حين تضاعفت مرتين (إن لم تكن ثلاث مرات) أعباء أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تقدمها النساء لأفراد الأسر بمن فيهم الأطفال والمرضى والكبار في السن والأشخاص ذوو الإعاقة. كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع العنف المبني على النوع الاجتماعي وزيادة معاناة النساء الفلسطينيات اللواتي أُعِدْن إلى مربع الدور التقليدي المفروض عليهن كربّات منازل وراعيات، في حين تم تقييد وتحديد مشاركتهن في لجان الطوارئ واللجان الاستراتيجية للتعامل مع جائحة كوفيد-19. وبقيت مشاركة النساء في لجان صنع القرار والاستجابة محدودة، أي أنها على المستوى المحلي وفي الأحياء المحلية لم تزد نسبتها عن 16% في أحسن أحوالها.

وفي حين أنه كان متوقعًا على المستوى العالمي أن احتمالية ارتفاع معدلات العنف المبني على النوع الاجتماعي متوقعة جدًا خلال تفـشي الوباء، خاصةً في المنازل، فقد تعرضت المؤسسات النسوية الفلسطينية على غرار مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي لهجوم عنيف من العناصر المحافِظة في المجتمع الفلسطيني. فقد علت هذه الأصوات المحافظة في حملة مضادة ضد المنظمات النسوية والحقوقية والنسائية التي كانت تطالب الرئيس الفلسطيني بتمرير مسودة قانون الحماية الأسرية من خلال مرسوم رئاسي. كما نتج عن غياب الإرادة السياسية لدى جزء من الحكومة الفلسطينية مع الحملة المضادة من العشائر والعناصر المحافِظة ترك الحركة النسوية في مقدمة المواجهة مع التوجه المحافظ في المجتمع الفلسطيني؛ إذ شنّ المحافظون هجمة شرسة على فكرة تبني مبادئ حقوق الإنسان الدولية ودعوتنا للسلطة الفلسطينية للإيفاء بالتزاماتها الدولية تحت إطار قانون حقوق الإنسان الدولي من خلال مواءمة التشريعات الوطنية مع المعاهدات والاتفاقات الدولية التي صادقت عليها فلسطين وانضمت إليها، خاصةً اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو".

لقد أظهرت الحكومة الفلسطينية ترددًا في تبني قانون حماية الأسرة وادّعت أن مسودة القانون كانت مثيرة للجدل، واقترحت أن يتم تأجيل تمريرها إلى ما بعد الانتخابات الفلسطينية المزمع عقدها في شهر أيار 2021. وقد انضم المركز للجهود المشتركة مع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والمنظمات النسوية والحقوقية الأخرى لتطوير جبهة وطنية واسعة تدعم تبني قانون حماية الأسرة، وتم تنظيم مؤتمر بتاريخ 18 تشـرين الأول 2020 لإطلاق الجبهة الوطنية لتبني القانون. وتبع ذلك مؤتمر آخر تمت دعوة كافة الفصائل والأحزاب السياسية إليه لضمان المشاركة الواسعة للنساء الفلسطينيات في التمثيل وفي صنع القرار في الانتخابات المقبلة. وقد طالبنا بحقنا بنسبة 30% من التمثيل على الأقل في الانتخابات التشـريعية الفلسطينية، وطالبنا بالالتزام من قبل الأحزاب السياسية نحو تمثيل أوسع للنساء والشباب في الانتخابات المقبلة. وعلى الرغم من كل ذلك تستمر التحالفات والمصالح السياسية والقيود القانونية بتشكيل عثرات رئيسية أمام قيادة النساء والشباب وتمثيلهن وتمثيلهم بالشكل الكامل في الانتخابات التشريعية المقبلة.

وفي النهايتة، أود أن أشكر طاقم المركز على عمله الدؤوب والمتفاني خلال عام 2020 على الرغم من الظروف الاستثنائية والصعبة التي أحاطت بعملنا؛ فقد أثبت فريق العمل التزامه العالي المستوى نحو قيم المركز ورؤيته ورسالته، وأظهر استعداده الكامل للعمل تحت الضغوطات والظروف الصعبة، كما نجح بشكل فعال في الاستجابة للوضع الطـارئ. وأوجه أيضًا شكرًا خاصًا لفريق عمل الإدارة العليا للمركز على مهنيته العالية والتزامه بالعمل تحت الظروف الاستثنائية التي مررنا بها، وكذلك تعامله المهني مع عملية التخطيط الاستراتيجي (2021-2025) على الرغم من كافة التحديات التي عملنا ضمنها في عام 2020.

تحلُّ علينا هذا العام الذكرى الثلاثون لتأسيس مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي كمنظمة ملتزمة بحماية وتعزيز الحقوق الإنسانية للنساء في فلسطين. لروح مها أبو دية إحدى مؤسِّسات المركز وإلى كل أعضاء مجلس الإدارة والهيئة العامة، نتوجه لكم بأعمق تعابير الاحترام والتقدير لدعمكم الذي تقدمونه لنا من أجل الاستمرار في سعينا نحو حقوقنا الإنسانية ونحو تحقيق رؤيتنا ورسالتنا. لقد عايشنا 30 عامًا من العمل الدؤوب من أجل حماية النساء ودعم حقوقهن، ولا تزال تنتظرنا أعوام عديدة قادمة...

وأود أن أوجه شكرًا خاصًا لكافة شركاء وممولي مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي الذين دعمونا وضمنوا استدامة واستمرارية عملنا من خلال الإيمان بما نقوم به ومن خلال مساهماتهم السخيّة لتنفيذ برامجنا.         

 رنــدة سنيــــورة

المديــرة العـامـــة