رسالة مديرة المركز للعام 2012

"الربيع العربي": ما الذي يجب أن تسعى اليه النساء الفلسطينيات والعربيات عموما؟

21 مارس 2012

الربيع العربي": ما الذي يجب أن تسعى اليه النساء الفلسطينيات والعربيات عموما؟


على ضوء الربيع العربي، والذي يتجلى لنا يوميا عبر المشاهد التي تعرضها شاشات التلفاز للمقاومة الشعبية المدنية الممنهجة، وردود الفعل التي تمارسها انظمة الحكم الديكتاتورية وأجهزتها القمعية المختلفة، التي تتسابق وتتفنن في اتباع الاساليب والوسائل المسلحة للقتل والتنكيل للمدنيين العزل بدون رادع ولا حسيب. على هذه الخلفية ينطلق مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي في هذا العام، عام 2012 بطاقة متجددة وإيمان راسخ بأن الإرادة الشعبية للتحرر من قيود الديكتاتورية والاستعمار ستنتصر في النهاية، طال الزمن او قصر. لقد أظهر الربيع العربي، إلى جانب ما سبقه من تحركات شعبية لا حصر لها، أنه لا بد للشعوب من أن تقدم تضحيات كبيرة حتى تتمكن من استعادة حقها في العيش بكرامة. إن استعداد الشعوب للمخاطرة بحياة ابنائها من أجل التحرر يثبت إيمانهم الراسخ بأن موت روح الأمة يعد بلا شك أسوأ أشكال الموت.
لقد قدم الشعب الفلسطيني الكثير من التضحيات على مدى عدة عقود منذ إنشاء دولة إسرائيل، سعياً إلى التحرر من قيود الاحتلال والاستعمار. إلا أننا لا نزال بعيدين عن تحقيق هذا الهدف، وهو ما ادى في فترات عديدة الى تراجع الروح المعنوية لدى فئات واسعة من شعبنا الفلسطيني. الذي سرعان ما تمكن من استعادة الأمل من خلال مشاهدته للشعب التونسي والمصري واليمني والبحريني والليبي والسوري يظهرون التعاضد والإصرار والشجاعة في مقاومتهم الجماعية للحكام والأنظمة الديكتاتورية، ويطالبون بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويقفون في وجه بطش وعناد قوات الدولة وأجهزتها القمعية. لقد أظهر لنا الربيع العربي أنه على الرغم من التضحيات الكبيرة التي تشمل فيما تشمل خسائر لا تحصى في الأرواح، أو ربما بفعل هذه التضحيات، يطلق النضال طاقة ملايين الأشخاص الآخرين لكي ينضموا إلى مساعي التحرر من أغلال العبودية التي تقيد كلاً منهم، ومن استعمار الأرض والجسد والروح. لقد وضع الربيع العربي معياراً معاصراً للحركة العالمية في سبيل العدالة الاجتماعية.
أفرزت الثورات الشعبية في البلدان العربية فهماً أوضح لتأثيرات السياسة الاقتصادية العالمية المعروفة باسم الليبرالية الجديدة، والتي رسخت استغلال الشمال لبلدان الجنوب وعززت سيطرة الحكام الديكتاتوريين وأنظمتهم القمعية في بلدان الجنوب. كما أبرزت القوى الهائلة التي تعيد انتاج التباينات المعقدة وأشكال التهميش داخل بلدان الجنوب. وأثبتت أن الإصلاحات في التشريعات والسياسات بمفردها لا تكفي لتحقيق تحرر الأفراد حيثما يكون التقسيم والتمييز الطبقي متجذراً في الانتماءات القومية والعرقية والدينية. ونتيجة ردود الفعل العنيفة من الدولة تجاه مواطنيها الطامحين إلى الحرية، أدرك الناس كلياً المستوى العالي الذي يجري فيه عسكرة الجنوب من أجل إخماد المعارضة وتمكين استغلال موارد الجنوب بدون رادع، وخاصة النفط العربي، ومن أجل حماية المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وبلدان الغرب الأخرى، أي الإبقاء على هيمنتها الاقتصادية والسياسية.
إن أهمية ثورات الشعوب العربية لا تقتصر على أنها حدثٌ غيّر العالم، فهي أيضاً حطمت العديد من الصور النمطية عن النساء العربيات التي تم ترسيخها من خلال بث الخوف من الإسلام وعبر وسائط الإعلام الغربية الشائعة. فالنساء العربيات، اللواتي جرت العادة على افتراض أنهن جميعهن مسلمات وعلى تصويرهن وكأنهن مجرد ضحايا للثقافات الأبوية العميقة، هؤلاء النساء كن في الجبهة الأمامية لحركة الديمقراطية كل في بلدها. وهذا بحد ذاته صنع تاريخاً ورسم علامة فارقة مميزة في حركة النساء العالمية، واضعاً معياراً للنشاط والفعل النسائي في سبيل الحرية والعدالة. ففي الوقت الذي بدا فيه أن النشاط والفعل النسائي يفقد زخمه، وخاصة في الغرب، ويتحول بشكل متزايد إلى نشاط منحصر في دوائر نخبوية وأكاديمية معزولة، خرجت النساء العربيات بكل قوة وأثبتن قوة تأثير النساء في تحديد ملامح الحركات الشعبية. وأثبت حضورهن الراسخ حقيقة أن النظام الأبوي يديم التمييز والجور الاجتماعي ضد النساء ويعد سبباً جذرياً رئيسياً لغالبية أشكال العنف ضد المرأة.
مع ذلك، لا زلنا بحاجة لأن نرى كيف سيصبح وضع النساء بالفعل بعد أن يهدأ غبار الثورات، كما تعلمنا من نضالات التحرر الأخرى. فكما هو متوقع، تم الاستخفاف بالنسوية باعتبارها بقايا غربية من النظام القديم، في حين أن النظراء الذكور للنساء اللاتي نظمن وشاركن وقدن الحركة الديمقراطية وأسهمن في صنع الثورة، ماطلوا أو همشوا أو صرفوا النظر عن حقوق المرأة على أرضية أنها قضية خلافية وتسبب الانشقاق، وأنه من غير المناسب ثقافياً أو دينياً وضعها في مكانة مركزية في جهود إعادة بناء الدولة. على سبيل المثال، يظهر في مصر ما بعد الثورة الدفع نحو دولة دينية. وفي ليبيا، وعلى الرغم من الخطابات حول النهوض بحقوق المرأة، نجد أن المجلس الوطني الانتقالي يخضع لهيمنة الرجال بشكل ساحق.
إن الشعب الفلسطيني يعرف بعمق، عبر عقود من التجربة، أن النضال من أجل الديمقراطية يتطلب تكاليف محسوبة وأخرى غير محسوبة، وأن الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية يتسبب باضطراب شديد، وأنه سيتم التضحية بالنساء مرة أخرى. ولكن الربيع العربي أثبت شيئاً إضافيا مهما كانت الهويات الدينية أو القومية التي نحملها فهناك دائماً توق بشري للحرية والعدالة الاجتماعية مغروس في داخلنا بعمق ولا يمكن لأية قوة أن توقفه إذا انطلق من عقاله. وتوق النساء العربيات إلى التحرر ليس أقل قوة أو أقل احتمالاً. إننا نتفق مع العديدين في مختلف أنحاء المنطقة العربية وفي مناطق النزاعات حول العالم على أنه:
لا سلام بدون النساء!

مها ابو ديه
المديرة العامة للمركز