حجم الجريمة يتضح يوما بعد يوم، ومع مرور الأيام تتكشف الجريمة وتفاصيلها من قتل للنساء والأطفال، دون أي تحرك دولي جاد لوقف الجرائم المركبة التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة. أوضاع النساء والأطفال هي الأسوأ في ظل هذا العدوان على القطاع، فأكثر من ستين بالمئة من ضحايا القصف هم من النساء والأطفال، ولا يستطيعون توفير مقومات الحياة، واحتياجاتهم للبقاء تزداد يوماً بعد يوم.
الكارثة لا تهدد فقط من يتعرضون للقصف، لكنها تشمل كل المرضى في قطاع غزة الذين لم يعد بإمكانهم تلقي خدمات طبية، مثل مرضى السـرطان والكلى وكبار السن الذين يحتاجون لرعاية خاصة والنساء الحوامل، كل هذه الفئات معرضة للموت البطـيء نتيجة انقطاع الخدمات الصحية وانهيارها.
الصورة قد تكون أكثر قتامة وقساوة مما نحاول وصفه، ولا بارقة أمل في أن تستطيع المنظومة الدولية والحقوقية وضع حد للكارثة المستمرة والتي تتوسع يوماً بعد يوم. الدور الإنساني للمجتمع الدولـي أمام نقطة فاصلة فـي تاريخه، إن لم يستطع أن يضع حداً للجرائم المركبة التـي يرتكبها الاحتلال أمام سمع ونظر العالم.
ينزع الاحتلال الإنسانية عن المحاصرين في غزة ويصفهم بالحيوانات البشـرية لتبرير الجرائم التي يرتكبها، وتنساق دول عدة لتبنـي روايته وخطابه عما يجري، وتشارك أيضاً في الجريمة المستمرة، بالرغم من التحرك الشعبـي والجماهيري الواسع في عواصم الدول الغربية والعالم بأسره لوقف جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطينـي، كان آخرها التحرك غير المسبوق لطلبة وطالبات الجامعات الأمريكية والأوروبية والغربية عموما، مطالبين بالحرية والعدالة ووقف العدوان على قطاع غزة، ومؤكدين على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والانعتاق من الاحتلال.
وجدت المعاهدات والمواثيق الدولية، خاصة الاتفاقيات، لوضع قواعد أخلاقية وقانونية لتصـرف الجيوش أثناء الحروب وحماية المدنيين، لكن لا نجد أي شكل من أشكال النظر بجدية إلى هذه المواثيق والمعاهدات الدولية، وأحرقتها طائرات الاحتلال مع قصفها المستمر وغير الإنساني للمدنيين في القطاع.
يجب وقف هذا العدوان فوراً والالتزام بالقانون الدولي، والبدء الفوري والجدي بمحاكمة قادة الاحتلال على هذه المجازر وجرائم الإبادة الجماعية، ووقف الحسابات السياسية وإعطاء الأولوية لوقف شلال الدم في غزة. وما القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل العليا في لاهاي إلا خطوة أولى في المسار الصحيح لوقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينـي في قطاع غزة، يتوجب استتباعها بحث المحكمة الجنائية الدولية على استكمال تحقيقاتها وملاحقة مجرمي الحرب من المسؤولين والجنرالات الإسرائيليين على الجرائم التـي ترتكب بحق الشعب الفلسطينـي في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في الضفة الغربية الصورة قاتمة أيضاً، والخطورة تزداد على المدنيين يوماً بعد يوم، واعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال تسجل انتهاكات جديدة في كل يوم، في ظل الانشغال الدولي بما يحدث في قطاع غزة. فقد بدأ الاحتلال بشن حملات اعتقال جماعية استهدفت المئات من الفلسطينيين بالضفة الغربية وسجنهم دون أي تهمة أو محاكمة تحت بند ما يعرف بالاعتقال الإداري، وحسب العديد من الشهادات فإن الاعتقال يترافق مع اعتداءات جسدية بالضـرب الشديد والإهمال الطبـي وسوء المعاملة، ما أدى إلى استشهاد أسيرين في سجون الاحتلال. كما استغلت دولة الاحتلال عدوانها على القطاع لمزيد من بسط يدها على الضفة الغربية، وتوسيع الاستيطان، وتسليح المستوطنين للاعتداء على السكان المدنيين في الضفة الغربية. كما استغلت دولة الاحتلال العدوان على قطاع غزة لتهجير التجمعات البدوية المختلفة في أكثر من موقع في المنطقة المصنفة (ج) في الضفة الغربية، ولمزيد من استغلال الموارد الطبيعية والأرض لصالح التوسع الاستيطاني.
نعمل كمؤسسات مجتمع مدني ضمن إمكاناتنا وحدود عملنا الحقوقي والمدني لوقف هذا العدوان على قطاع غزة والجريمة المستمرة. فقد أصدر المركز نداءً للدول الأعضاء في مجلس الأمن يطالب بوقف العدوان وحماية المدنيين، وقد وقعت عليه أكثر من مئة منظمة وشبكة حقوقية ومدنية حول العالم.
أصدرنا عدة بيانات وعقدنا العشـرات من اللقاءات والفعاليات ضمن مساحة عملنا كمؤسسة حقوقية نسوية فلسطينية، للمطالبة بوقف الإبادة ومحاسبة قادة الاحتلال وإدخال المساعدات الفورية للفلسطينيين في قطاع غزة. عملنا بمبادرات من طاقم المركز واستجبنا أيضاً لكل مبادرات التعاون مع المؤسسات الدولية للمطالبة بوقف الإبادة. ونستمر بتسليط الأضواء على البعد النسوي لحرب الإبادة والعدوان الإسرائيلي على النساء والفتيات، ونكرس كل حملاتنا للضغط على الدول لوقف العدوان وتوفير المساعدات الإنسانية للجميع بكرامة، ووضع احتياجات النساء على سلم أولوياتهم.
سخّر المركز خلال الربع الأخير من العام 2023 جُلّ إمكاناته للعمل ضمن اختصاصه كمؤسسة حقوقية نسوية، للمطالبة بوقف العدوان وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت بحق النساء ومعاناتهن.
عمل المركز قبلها ضمن تحقيق رؤيته كمؤسسة نسوية حقوقية تسعى لمجتمع فلسطينـي يسوده القانون ويحقق المساواة بين الجنسين، فاستمر بتقديم الخدمات القانونية والاجتماعية للنساء ضحايا العنف والترافع عنهن في المحاكم، وتفعيل العمل المجتمعي بالشـراكة مع المؤسسات النسوية القاعدية والمؤسسات الشبابية والمتطوعين والمتطوعات، والناشطات النسويات، ونفذ المركز العديد من النشاطات والفعاليات والمبادرات المجتمعية، وكرس عمله لمناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات، وتحقيق المساواة بين الجنسين. كما استمر المركز في المطالبة بالمشاركة الفاعلة للنساء في مراكز صنع القرار، وتطوير البرامج والسياسات العامة والتشـريعات لحماية النساء المعنفات، وضمان المساواة بين الجنسين في كافة المجالات، وسخر المركز حملاته على المستوى الوطنـي لهذا الغرض، ونشط في المحافل الدولية من خلال تقديم تقارير الظل للجان المعنية بالاتفاقيات الدولية التـي التزمت بها دولة فلسطين وانضمت إليها. كما عمل المركز على فضح سياسة الاحتلال وانعكاسات انتهاكاته على وجه التحديد على النساء والفتيات، من خلال إعلاء أصوات النساء ودعم عمله على المناصرة الدولية بشهادات النساء أنفسهن.
أصدر المركز خلال العام 2023 عدة إصدارات وثقت قتل النساء والانتهاكات التـي تتعرض لها النساء الفلسطينيات نتيجة هدم المنازل في الضفة الغربية والقدس، إضافة إلى دليل تدريبـي. ونظم المركز عشـرات التدريبات وورش العمل للمتطوعين والفئات المستهدفة والشركاء في سبيل خطوات للأمام في تحقيق رؤيته وأهدافه.
وفي النهاية أتقدم بالشكر الجزيل لفريق العمل في المركز على جهودهن/م جميعا خلال العام 2023، وأفخر بطاقم المركز لعطائه وإيمانه الراسخ برؤية المركز ورسالته، والاستمرار بالعمل الدؤوب لتحقيق أهدافه، ونشـرتنا السنوية هذه تتحدث عن نفسها بالإنجازات التي حققناها بالرغم من التحديات الجسيمة التي واجهناها.