في مواجهة ظاهرة العنف ضد النساء..نظام تحويل للنساء المعنفات.. محاولة جادة لعمل متكامل

  • الرئيسية
  • الأخبار
20 يناير 2011

بقلم: نبيل دويكات- مركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي

مقدمة

ظاهرة العنف ضد المرأة هي ظاهرة عالمية، ولا تقتصر على المجتمع الفلسطيني، او المجتمعات العربية. وقد حظيت هذه الظاهرة بمزيد من الاهتمام العالمي مع نمو وتطور الحركة النسوية العالمية، وخاصة خلال الثلث الاخير من القرن الماضي. وتحديدا خلال عقد المرأة الذي اقرته الامم المتحدة في العام 1975، وما ترتب عليه من المؤتمرات الاممية حول المرأة. ومن ثم اقرار اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" في العام 1979، وكذلك ترتيب آليات على مستوى الامم المتحدة لمتابعة تطبيق وتنفيذ الاتفاقية على مستوى الدول والمجتمعات المختلفة.

مما لا شك فيه ان احد اهم محاور محاربة التمييز ضد المرأة هو العمل من اجل كشف والتصدي لظاهرة العنف ضد المرأة، كون العنف بحد ذاته يشكل تركيزا وتكثيفا لكل اشكال التمييز، وتعبيرا واضحا عنها. ولذلك نشطت الكثير من المؤسسات على المستوى الدولي والوطني من اجل رصد هذه الظاهرة ووصفها ودراستها وتحليلها في محاولة من اجل وضع الحلول والمعالجات المناسبة لها، بما يتناسب مع السياق العام العالمي، وبما يلائم ظروف وسياقات كل مجتمع من المجتمعات المختلفة.

العنف الاسري في المجتمع الفلسطيني

العديد من النسويات في المجتمع الفلسطيني يفضلن استخدام مفهوم العنف الاسري، ويعتبرن ان هذا المفهوم اشمل واوسع من مفهوم العنف ضد النساء. وربما ذلك في محاولة للتمييز بين مصدرين من مصادر العنف ضد النساء. اولهما الاحتلال الاسرائيلي الذي يمارس اقسى واصعب انواع العنف والانتهاكات لابسط القواعد والحقوق الانسانية للمجتمع الفلسطيني، وتتجلى اوسع واكبر انعكاساته على النساء الفلسطينيات كونهن يعانين ايضا من مصدر آخر للعنف ضدهن، وهو العنف الداخلي، ويشار اليه في الكثير من الاحيان بالعنف الاسري، كمفهوم اوسع ويشمل العنف ضد الشباب والاطفال من الجنسين بالاضافة الى العنف ضد النساء.

يشير مركز المرأة للارشاد القانوني الى ان الاهتمام بمشكلة العنف الاسري بدأ في بدايات التسعينات من القرن الماضى من خلال عدد من المؤسسات التي تعمل على قضايا المرأة، على الرغم من عدم توفر معلومات دقيقة حول حجم هذه الظاهرة. وهذا ما دفع بالعديد من المؤسسات لتنفيذ برامج ومشاريع تهدف بالاساس الى توفير معلومات ودراسات حول الظاهرة، والى تنمية وتطوير وعي المجتمع تجاهها. حيث اصبح يتوفر لدينا اليوم برامج وتدخلات وكتابات وابحاث ودراسات ترتبط بالعنف كمفهوم، اسبابه، واشكاله وغيرها من الامور ذات العلاقة (مركز المرأة للارشاد، 2009).

اتساع نطاق الاهتمام بالعنف ضد النساء الى مختلف القطاعات

لم يتوقف الامر على زيادة الاهتمام العام، او زيادة اهتمام المؤسسات والمراكز النسوية بقضية العنف الاسري. وانما امتد ايضا ليشمل الكثير من قطاعات العمل الاجتماعية، الصحية، القانونية، والخدماتية وغيرها من القطاعات. فاضافة الى العديد من برامج الرصد والتوثيق والدراسة لظاهرة العنف باشكالها ومستوياتها المختلفة، فقد ظهرت العديد من المشاريع وبرامج العمل التي تهدف الى التوعية بحجم الظاهرة والتنبيه من خطورتها على التماسك الاسري والاجتماعي, وقامت بعض المؤسسات ايضا بافتتاح بيوت امان وحماية للنساء المتعرضات للعنف، وافتتحت الكثير من المؤسسات (الرسمية والاهلية) مراكز ومكاتب لاستقبال النساء والفتيات المتعرضات للعنف وتوفير العناية والرعاية القانونية او الصحية او الاجتماعية لهن. ونشطت بعض المؤسسات للتأثير من اجل توفير بيئة قانونية تمكن من مواجهة العنف، وهدم الاسس التي يستند عليها في المجال القانوني. واستحدثت الشرطة وحدات خاصة تحت اسم (وحدة حماية الاسرة) هدفها الرئيسي متابعة كافة القضايا المتعلقة بموضوع العنف الاسري. وهكذا الحال بالنسبة للقطاع الصحي، والاجتماعي وغيرها من المؤسسات المجتمعية. وهذا يمكننا من القول ان هناك ادراكا كبيرا اليوم لابعاد ظاهرة العنف وتأثيراتها في مختلف المجالات.

العنف ضد النساء ظاهرة شاملة وواسعة

تشير الكثير من الدراسات والابحاث والوثائق الى تنوع واتساع كبير في تعريف مفهوم العنف ضد النساء، وتحديد اشكاله. بحيث يشمل التعريف العنف الجسدي والنفسي والجنسي، وذلك يشمل ايضا ممارسة العنف او التهديد بممارسته. وعلى الصعيد الفلسطيني فانه قد يمتد ليشمل العنف الخارجي (الناتج عن الاحتلال الاسرائيلي) والعنف الداخلي. كما انه قد يقع في البيت، الشارع، المدرسة، المؤسسة. وقد يقوم به افراد من داخل الاسرة او من خارجها ايضا. وبصورة عامة فانه مفهوم شامل يمتد عميقا في المجتمع، بكل قطاعاته وفئاته. كما ان آثاره ايضا تمتد لتشمل المجالات الصحية، القانونية، الاجتماعية، النفسية وغيرها من المجالات. وقد يفسر هذا التعريف اتساع وتنوع البرامج والمشاريع التي تتناول الموضوع وتعمل على معالجته. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو: اذا كانت المرأة انسان متكامل وله امتداد سياسي اجتماعي اقتصادي نفسي.. الخ، واذا كان العنف بهذا الشكل والحجم والاتساع والتنوع فهل تكفي الجهود القطاعية لمواجهته والتصدي له؟؟

تشير جواهر ابو عياش- رئيسة قسم التمريض والطوارىء في مجمع فلسطين الطبي في مدينة رام الله الى الاجابة على السؤال بالقول " تتوجه الينا في هذا القسم النساء المعنفات والمتعرضات لاصابات جسدية بسبب العنف، ويوجد لدينا بعض الاجراءات التي نقوم بها في هذه الحالة، حيث نقوم باعلام العاملة الاجتماعية في القسم، وكذلك الشرطة. الا ان هناك بعض الحالات التي نشعر خلالها اننا لا نستطيع، او لا نمتلك الامكانية للقيام بالكثير من الامور التي يمكن ان تساعد المرأة المتعرضة للعنف، فقد تكون بحاجة الى تأهيل نفسي او اجتماعي او مساعدة قانونية او غيره من المتابعة لها. ولا يتوفر لدينا الامكانيات للتنسيق او الاتصال بجهات اخرى لاستكمال المتابعة. ويتوقف دورنا عند هذا الحد".

وتواجه وحدة حماية الاسرة في الشرطة الفلسطينية مشكلة مشابهة، حيث يرى النقيب عطا جوابرة مدير الدائرة في الخليل "انه على الرغم من المهنية العالية التي تمارس بها الدائرة مهامها، الا ان هناك عقبات قانونية تقف حائلا بين الشرطة وبين امكانية توفير الدعم والمساندة للنساء والفتيات المتعرضات للعنف" واشار جوابرة الى المواد (285 و 286) من قانون العقوبات والمتعلقة بسفاح القربي وقال" ان هذه المواد لا تعطي الحق والامكانية للمعتدى عليها لتقديم شكوى اذا كانت قاصراً، وتعطي هذا الحق فقط لاحد اقربائها"، والحديث هنا يدور عن سفاح القربى الذي يعني ان احد الاقارب قد يكون هو نفسه المعتدي. والمشكلة برأي جوابره هنا هي في تعديل مواد القانون، وهو ما يقع خارج اطار مسؤوليات وصلاحيات جهاز الشرطة، بل هو مهمة ودور المؤسسات القانونية والحقوقية. وهذا ما اكدته المحامية حليمة ابو صلب والتي تعمل منذ اكثر من خمسة عشر عاما في القضايا القانونية وقضايا العنف ضد المرأة قائلة "ما زلنا نطبق قانون عقوبات اردني منذ عام 1960، وقانون اجراءات فلسطيني يتضمن عدد من الثغرات حيث لا تستطيع الفتاة رفع شكوى حول الاعتداء عليها، ويتم التعامل معها كقاصر، ولا يجيز القانون لاي جهة، وخاصة النسوية والحقوقية تقديم شكوى باسمها للجهات المختصة".

سلافة صوالحة- مديرة دائرة الارشاد الاسري في ديوان قاضي القضاة الذي يشرف على (27) دائرة اشارت الى انه "بالرغم من قيام الدوائر بجهد كبير، الا ان الامر يتطلب ارساء اسس منهجية في العمل والاجراءات، ويتطلب التأكيد على مبدأ التحويل والشراكة"، واعطت صوالحة مثال للنساء المتقدمات للمحاكم حيث تواجه المحاكم احيانا قضايا (التخارج) المتعلقة بالميراث، وتساءلت "ما الذي يضمن ان المرأة التي تأتي للمحكمة بهدف (التخارج) قد حصلت على حقوقها، او معرفتها بمعنى ومضمون هذا التخارج، ولذلك فان هناك حاجة لتوعية قانونية للنساء، وهو مهمة تقع على عاتق مؤسسات مجتمعية اخرى، وهو ما يتطلب هناك التنسيق وتكامل العمل بين كافة المؤسسات".

لخصت سلوى النجاب- الطبيبة والناشطة النسوية الامر بالقول " ان موضوع حماية المرأة، وحماية الاسرة بشكل عام من العنف هو حماية لتماسك ووحدة المجتمع الفلسطيني، ولذلك فان هذا الامر واسع ويرتبط بعمل القطاعات المختلفة وبصورة مشتركة، حيث يتداخل القطاع الصحي مع الاجتماعي مع القانوني مع غيرها من القطاعات، حيث لا يستطيع اي من هذه القطاعات العمل والنجاح بمفرده، وبمعزل عن الاخرين".

الانتقال من مستوى التنوع والتعدد الى مستوى التكامل

لعل هذا التداخل في الصلاحيات والمسؤوليات هو ما دفع بمركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي الى التفكير بصورة استراتيجة بضرورة العمل لتوحيد الجهد، وتكامل المسؤوليات بين المؤسسات المختلفة. تشير مها ابو ديه الى "ان تجربة عمل مركز المرأة خلال اكثر من خمسة عشر عام من العمل مع النساء المعنفات، ومتابعة كافة القضايا والاشكالات المترتبة على ذلك، ابرزت الحاجة الى تنسيق وتكامل الجهد المبذول في التصدي لظاهرة العنف. وقالت "ان العنف له عدة ابعاد، وهناك عدة جهات تتوجه لها النساء المعنفات، ولا يوجد جهة تقدم خدمات كاملة ومتكاملة لهن، ولذلك فقد برزت لدينا الحاجة للعمل على المستوى الوطني لبناء نظام متكامل يوفر امكانيات العمل والتنسيق بين مختلف الجهات". واشارت ابو ديه الى ان المركز بادر منذ اكثر من عامين مع مؤسسة جذور للانماء الصحي والاجتماعي الى بناء برنامج لتحقيق هذا الغرض.

برنامج نظام تحويل خدماتي للنساء المعنفات

تستند فكرة البرنامج الى اهمية التنسيق والتكامل، وتتضمن خطة العمل بناء نظام مستدام للتحويل الى الخدمات القانونية- الصحية- الاجتماعية على المستوى الوطني للنساء المعنفات. تقول منال الجعبة- مديرة البرنامج " تبلورت الفكرة خلال سنوات طويلة من تعامل المؤسستين مع قضايا العنف ضد النساء. حيث افرزت التجربة الحاجة الى بناء مثل هذا النظام الذي يحدد الانظمة والاجراءات والبروتوكولات لكافة الجهات التي تقدم خدمات قانونية وصحية واجتماعية للنساء المعنفات، كما تمكنها من تنسيق وتكامل جهودها لمعالجة هذه الظاهرة التي تهدد التماسك الاسري للاسرة الفلسطينية، وبدأنا العمل باعداد دراسية مسحية تحليلية لظاهرة العنف ضد المرأة والخدمات المختلفة التي تقدمها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية للنساء المعنفات، وشملت الدراسة مدى تحسس البرامج الاكاديمية الصحية لقضية العنف ضد المرأة في المناهج التعليمية. وتم اعداد مساق خاص بالعنف ضد المرأة للكليات الصحية من اجل ادراجه ضمن المساقات التعليمية في هذه الكليات، لتعليم الطلبة في الاقسام التي تدرس مقدمي الخدمات ليكونوا مؤهلين للتعامل مع النساء المعنفات"

الدراسة المسحية التي اشرفت على تنفيذها الدكتورة فارسين اغابكيان، شملت (308) مؤسسات حكومية واهلية تقدم خدمات للنساء المتعرضات للعنف، في (7) من محافظات الضفة الغربية، وشملت ايضا (40) برنامج اكاديمي في مجالات الطب، التمريض، القبالة، تدريب الشرطة، الحقوق.. وغيرها من المجالات ذات العلاقة في (18) كلية وجامعة فلسطينية. وابرزت الدراسة ان هناك غياب لنهج شمولي في التعامل مع العنف ضد المرأة بما يتضمن المكونات الطبية والنفسية والقانونية والاجتماعية والروحية، واظهرت الدراسة ايضا الضعف العام في توطيد اجراءات واضحة ومكتوبة بما يضمن الثبات في السلوك المهني وتقديم الخدمات. كما ان غياب البروتوكولات وغياب الاجراءات التي يجب اتباعها عند ادخال النساء الى مرافق الرعاية يدل على عدم الثبات في تقديم الرعاية (مركز المرأة ومؤسسة جذور، دراسة غير منشورة).

مضمون واهمية نظام التحويل المستدام؟

اشارت الدكتورة النجاب الى انه ومن اجل تحقيق التكامل في العمل والجهد فقد تم تشكيل لجنة استشارية واخرى فنية لادارة وتوجيه البرنامج منذ بداياته، وقالت النجاب " تضم هذه اللجان في عضويتها عدد من المؤسسات الحكومية كوزارة الشؤون الاجتماعية، المرأة، الصحة، كما تضم ايضا مؤسسات غير حكومية في قطاعات مختلفة كالشباب والنساء والصحة والتعليم وغيرها من القطاعات، كما تمثلت في اللجان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، والهلال الاحمر الفلسطيني، وهي بشكل عام شبكة واسعة تغطي كافة القطاعات".

شذى عودة- المستشار في البرنامج اشارت الى مضمون النظام الذي تم حتى الآن انجاز الصيغة الاولية منه يستند على "ان تقوم كل القطاعات التي تقدم خدمات لها علاقة بالنساء المعنفات بتوحيد جهودها وتنسيق عملها بما يضمن تقديم خدمة متكاملة".

وتقول الجعبة انه "بعد انجاز النسخة الاولية من النظام بادرنا الى عقد ورشة عمل موسعة شارك فيها اكثر من (80) من ممثلي المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المختلفة لمناقشته وتطويره من اجل اخراجه بصورته النهائية، تمهيدا للعمل من اجل اقراره على مستوى الحكومه واعتماد تطبيقه على مختلف المستويات".

ماجدة المصري وزيرة الشؤون الاجتماعية رأت ان هناك حاجة فعلية لمأسسة نظام للتحويل، وقالت "ان الوزارة تتحمل مسؤولية توفير الدعم والاسناد والحماية لكل الفئات والشرائح الضعيفة في المجتمع كالنساء والاطفال، وتشكل مرجعية لكل الهيئات الرسمية والاهلية العاملة في هذا المجال. وفي سبيل ذلك فان مديريات ودوائر الوزارة تنسق عملها مع العديد من الجهات المختصة كالمحافظة، الشرطة، المراكز الصحية والمؤسسات المجتمعية المختلفة، وهذا يتطلب نظام كامل من الاجراءات والبروتوكولات تحدد المسؤوليات والصلاحيات واجراءات العمل المختلفة من خلال مأسسة نظام يضمن تكامل وفعالية الرعاية والحماية لهذه الفئات".

المستشارة لهيئة الامم المتحدة للمرأة في مجال العنف القائم على النوع الاجتماعي لونا سعادة اشارت الى ان "بناء نظام تحويل شامل للنساء المعنفات هو خطوة هامة من اجل تنظيم وتوحيد الجهود على المستوى الوطني في التصدي لهذه الظاهرة. حيث ان جهود التصدي للعنف ضد النساء لا تظهر بشكل واضح نظرا لتداخل المهام والمسؤوليات في ظل غياب اي اطار رسمي وواضح لذلك". اما الهام سامي- رئيسة وحدة الشكاوي في وزارة شؤون المرأة فاكدت ان نظام التحويل هو جزء من الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي اقرها مجلس الوزراء خلال الاسبوع الماضي، وهو يلعب دوراً هاماً في توفير الحماية للنساء المعنفات.

خاتمة

المرأة كيان كامل وله ارتباطات وابعاد مختلفة، والعنف ضد المرأة هو ايضا واسع وشامل وله ابعاد ونتائج سلبية مختلفة، على مستويات عدة، وفي قطاعات مختلفة. وبدون تنسيق الجهد، وتكامل العمل، وتحديد الانظمة والاجراءات، وتوضيح الحدود والمسؤوليات فان الحديث عن مواجهات منفردة لهذه الظاهرة يبقى في المحصلة النهائية عملا غير مضمون النتائج.